إن موعد اختيار مرشح جديد لتولي منصب المدير العام لليونسكو يقترب. وهو قرار علي قدر كبير من الأهمية، وأود هنا أن أشرح للعالم لماذا يعد من الأهمية بمكان أن يعطى هذا المنصب لمرشح عربي، وتحديدا لمرشحة مصر، مشيرة خطاب.
لقد تقدمت فرنسا بمرشح لتولي رئاسة اليونسكو، صحيح أن مقر المنظمة يقع في باريس، وأن الفرنسيين متعاونون رائعون في مجال التراث الثقافي، أتكلم هنا من مواقع خبرة شخصية: هناك العديد من البعثات الفرنسية التي تعمل حاليا في مصر، والتعاون الأثري بين بلدينا رائع. وتعد البعثة الفرنسية المصرية إلى معابد الكرنك مثالا ممتازا للتعاون الدولي، حيث يعمل علماء الآثار من البلدين معا لتسجيل هذه الآثار الرائعة والحفاظ عليها. كما كان هناك العديد من العلماء الفرنسيين العظماء الذين ساهموا في علم المصريات من “مارييت باشا”، الذي أسس مصلحة الآثار المصرية، إلى “شامبليون”، الذي قام بفك رموز الهيروغليفية، بالإضافة إلي ماسبيرو، ولاور، وليكلانت، وغيرهم كثيرون.
وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية تقدر هذا التعاون، إلا أنها اختارت أن تتجاهل حقيقة أن مصر قدمت مرشحا مؤهلا بدرجة عالية، وقدمت بدلا من ذلك مرشحا خاصا بها. وقد وجهت المجموعات الفكرية في مصر رسالة إلى السلطات في باريس تطلب سحب المرشح الفرنسي، بل إن البعض اقترح أن توقف وزارة الآثار كافة أشكالالتعاون الأثري بين فرنسا ومصر احتجاجا على ذلك. وذهبت مجموعة من هؤلاء للقاء الدكتور خالد العناني وزير الآثار المصري وطلبوا منه قطع جميع العلاقات رسميا. أنا شخصيا لا أريد أن يحدث هذا، ويحدونا الأمل في أن يجد الفرنسيون طريقا إلى الأمام سنكون جميعا كمصريين وعرب ممتنين له.
إن الترشيح الفرنسي يخرج عن العرف السائد منذ زمن طويل داخل اليونسكو، والذي لا يدعم أن يتولي رئاسة المنظمة مرشح ينتمي لدولة المقر.كما لا يتيح هذا العرف لأي بلد أن يتولى مواطنوها منصب رئاسة منظمة دولية أكثر من مرة، وبالتالي يجب احترام مبدأ التناوب هنا. فمنذ تأسيس اليونسكو في عام 1946، لم تحظ أي دولة عربية بهذه الفرصة من قبل، وهذا هو الوقت المناسب لتولي قيادة المنظمة.
إننا نحتفل هذه الأيام بمرور مائتي عام علي اكتشاف معبد رمسيس الثاني في أبو سمبل. وقد سافر الدكتور خالد العناني وزير الآثار إلى باريس لحضور الاحتفالات المصاحبة لهذا الحدث. لقد تم إنقاذ هذه المعابد، وغيرها من المعابد، من خلال تكاتف المجتمع الدولي. وقد أدارت اليونسكو، بناء على طلب مصر، حملة الإنقاذ التي حافظت على الكثير من تراث النوبة القديمة، والتي كانت مهددة ببناء السد العالي في أسوان. ويبقي يوم 8 مارس 1960، يوم الإعلان عن حملة الإنقاذ هذه، محفورا في سجلات التاريخ. وقد حضر الاحتفالات الثقافية في باريس العديد من الشخصيات الدولية، حيث دعا “فيتورينوفيرونيز”، المدير العام لليونسكو في الفترة من 1958 إلى 1961 وخليفته “رينيه ماهيو”، الذي تولي رئاسة المنظمة في الفترة من 1961-1974، الحكومات والمنظمات الدولية وأي مجموعة معنية بتراثنا الدولي لتقديم المساعدة في شكل أموال أو ودهم فنية. وكان رد الفعل كبيرا، فقد قدمت البلدان والأفراد قدر المستطاع، وتم تجميع ملايين الدولارات لهذا الغرض. وعمل الباحثون واللجان المعنية من أكثر من عشرين دولة معا لمدة عشرين عاما على هذه الحملة الناجحة للغاية. إن هذا التعاون الدولي، الذي بدأته مصر، قد أعطى اليونسكو مكانة جديدة، وجعلها هيئة يُنظر إليها باحترام في جميع أنحاء العالم.
إن أهمية التراث الثقافي المصري للعالم ليست سوى أحد الأسباب التي تجعل مرشحنا جديرا بأن يكون المدير العام لليونسكو. فمشيرة خطاب المرشح العربي لليونسكو مؤهلة بحق لتولي هذا المنصب، فهي شخص استثنائي يتمتع بمؤهلات عالية، وسوف تكون قادرة على خدمة اللجنة العالمية بتفان ومهنية، وهي الشخص المناسب لقيادة المنظمة خلال هذه الأوقات العصيبة. انمشيرة خطاب ليست مجرد مرشحة عربية فحسب، فهي تمثل أفريقيا أيضا، وقد تلقت الدعم الكامل من القادة الأفارقة خلال قمتي كيجالي في يوليه 2016 وأديس أبابا في يوليه 2017. ويعمل الاتحاد الأفريقي على الترويج لترشيحها كمرشح أفريقي يدرك جيدا أولويات القارة وشواغلها، ومؤهل لخدمة المصالح الإفريقية في اليونسكو. انمشيرة خطاب بمثابة مرشح متعدد الانتماءات، حيث تمثل الثقافات العربية والإسلامية والأفريقية علي التوازي.
وعلي مدار حياتها، أثبتت الدكتورة مشيرة خطاب إخلاصها في الدفاع عن التراث الثقافي. إنها حقا مرشحة دولية – امتدت حياتها المهنية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واستراليا وأفريقيا. وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في قانون حقوق الإنسان، وقد شغلت مناصب دبلوماسية هامة لمصر، بما في ذلك سفيرا لدي جمهورية التشيك وجمهورية جنوب أفريقيا. لقد التقيت بها على مر السنين في العديد من وظائفها … فأينما ذهبت، كانت مثالا يحتذي في النشاط والدأب وفازت بحب الناس في كل مدينة عاشت بها، كما قدمت إسهامات كبيرة كأمين عام للمجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر. وقد تزاملنا كذلك عندما عينت مصر حكومة جديدة بعد الثورة، وكانت هي وزيرة الدولة لشؤون الأسرة والسكان، حيث أثارت مساهماتها في مناقشات مجلس الوزراء الإعجاب دائما، وعكست قدراتها العاليةونزاهتها في مختلف المواقف. ستكون مشيرة خطاب ممثلة عظيمة للمرأة العربية، بل لجميع النساء وجميع الشعوب.
تؤمن مشيرة خطاب إيمانا راسخا بأن الحق في التعليم الجيد هو الإستراتيجية الوحيدة والأكثر فعالية لتحقيق جميع حقوق الإنسان الأخرى، وقد دأبت على وضع أفكارها موضع التنفيذ, كما أن لديها باع طويل في مجال العمل الدولي, وهذا يشمل الخبرة الثنائية ومتعددة الإطراف مع مختلف منظمات الأمم المتحدة، فضلا عما قدمته لبلدها خلال عدة أحداث ذات أهمية تاريخية، وتظهر خلفيتها هذه في ما تتحلي به من شغف سيمكنها من قيادة اليونسكو بنجاح. إن إيشخص يقرأ العرض الذي قدمته أمام وفد اليونسكو سيقر بأن لديها رؤية من شأنها أن تدفع هذه المنظمة بأن تكون قوة دافعة في حل مشكلة التعليم في بلدان العالم الثالث، وإنقاذ تراث البلدان التي يسعي الإرهابيون فيها إلي طمس التاريخ.
إن هذه هي الأسباب التي تؤهلنا لتبؤ مقعد رئاسة اليونسكو، والتي تجعل من مشيرة خطاب بحق المرشح الأفضل لهذا المنصب.